سياسة
حـل هيئـة المسـاءلة والعـدالة صـراع سياسـي أم مخطـط لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء
منذ تأسيسها بعد عام 2003 شكّلت هيئة المساءلة والعدالة إحدى الركائز الأساسية لضمان عدم عودة رموز البعث إلى المشهد السياسي العراقي لم تكن هذه المؤسسة مجرد هيئة قانونية بل كانت سورًا يحمي العملية السياسية الجديدة من محاولات الالتفاف على تضحيات أبناء العراق الذين دفعوا دماءهم في مواجهة النظام الديكتاتوري السابق اليوم وبعد أكثر من عقدين على سقوط الطاغية تتعالى الأصوات داخل بعض الأوساط السياسية للمطالبة بحل الهيئة بحجة طي صفحة الماضي وتحقيق المصالحة الوطنية غير أن الشارع الشيعي الذي تحمل العبء الأكبر من جرائم النظام البائد يرى في هذه الدعوات محاولة مريبة لإعادة إنتاج البعث بأساليب جديدة خصوصًا في ظل تحركات إقليمية ودولية تسعى إلى إعادة ترتيب المشهد العراقي بما يخدم أجندات معينة.
لا يمكن فصل مشروع حل الهيئة عن التحركات الإقليمية والدولية التي تهدف إلى إعادة التوازن داخل العراق بما يضمن تقليص نفوذ القوى الشيعية الوطنية فبينما دفعت بعض الدول الخليجية باتجاه دعم القوى السنية في المطالبة بحل الهيئة تسعى واشنطن إلى تحقيق تسوية تضمن إعادة شخصيات بعثية معينة إلى المشهد السياسي بحجة أنها يمكن أن تساهم في استقرار العراق لكن هذا الاستقرار المزعوم يعني عمليًا إعادة تدوير شخصيات كانت مسؤولة عن قمع العراقيين وتشريع عودتها كقيادات سياسية ضمن مشروع دولي لإعادة ترتيب الخارطة السياسية بما يخدم أجندات معينة.
في الداخل العراقي شكلت بعض القوى السياسية السنية محور ضغط رئيسيًا لحل الهيئة إذ ترى فيها عقبة أمام عودة شخصيات سياسية واجتماعية كانت مقصاة من المشهد منذ سقوط النظام السابق هذه القوى تعتبر أن بقاء الهيئة يعيق مشروع المصالحة الوطنية ويكرس حالة الإقصاء والتهميش السياسي فيما يرى الشارع الشيعي أن هذه الدعوات ليست سوى محاولة لإعادة إنتاج النظام البائد بغطاء سياسي جديد الضغوطات السنية لم تأتِ بمعزل عن الدعم الإقليمي حيث تعمل بعض الدول الخليجية على دعم هذا التوجه لضمان تعزيز دور القوى السنية داخل المعادلة السياسية العراقية وهو ما يطرح تساؤلات خطيرة حول مدى استقلالية القرار السياسي العراقي في ظل هذه الضغوط.
القوى الشيعية التي عانت من سنوات القمع والتهميش لا يمكنها السماح بحل الهيئة دون ضمانات حقيقية لعدم عودة الماضي بوجه جديد وجه متلون فالقضية ليست مجرد ملف سياسي بل هي معركة هوية وعدالة ومعركة وجود للبعض حل الهيئة دون بديل واضح سيعني إعطاء الضوء الأخضر لإعادة هيكلة النظام السياسي العراقي بطريقة تسمح بتمدد نفوذ شخصيات لا تزال تحمل فكر الإقصاء والتهميش وفكر الاستحواذ ما سيهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد لهذا فإن أي خطوة لحل الهيئة هي خطوة خاطئة و يجب أن لا نفرط في المكتسبات التي تحققت بعد سقوط النظام البائد.