سياسة

المحكمة الاتحادية وقانون العفو العام بين مقتضيات العدالة وضغوط المشهد السياسي

Published

on

في ظل التحولات السياسية المعقدة التي يعيشها العراق برز قانون العفو العام كإحدى القضايا الخلافية التي تعكس التوازنات الهشة بين القوى السياسية حيث تم تمريره وسط اعتراضات عدة مما أدى إلى تقديم طعون قانونية للمحكمة الاتحادية العليا التي وجدت نفسها أمام مسؤولية الفصل في هذا القانون وفق مقتضيات الدستور والعدالة وسط ضغوط سياسية حاولت التأثير على مسار القرارإن العراق بوصفه دولة ذات غالبية شيعية يواجه تحديات كبيرة في ترسيخ دولة القانون والحفاظ على استقلالية القضاء لا سيما في ظل محاولات بعض الجهات التي ارتبطت تاريخيًا بمشاريع مشبوهة تسعى لتوظيف القوانين لخدمة أجنداتها دون مراعاة المصالح العليا للشعب العراقي وقد شهدنا خلال السنوات الماضية كيف استغلت بعض الأطراف قانون العفو العام لإعادة دمج شخصيات متورطة في الإرهاب والتآمر على البلاد ضمن محاولات إعادة إنتاج المشاريع التي أرادت تقويض الاستقرار الذي تحقق بفضل التضحيات الجسيمة لأبناء الحشد الشعبي والقوى الأمنيةمن الناحية الدستورية لا خلاف على أن قانون العفو يمكن أن يكون أداة إصلاحية إذا تم تطبيقه بشكل عادل ومنصف لكن الإشكالية تكمن في كيفية تمريره والجهات التي حاولت توسيع نطاقه ليشمل أشخاصًا لا يمكن بأي حال أن يُنظر إليهم كضحايا أو مستحقين للعفو. فالقوى التي وقفت ضد مشروع الدولة منذ 2003 وسعت إلى استهداف العملية السياسية حاولت التلاعب بنصوص القانون لتمرير مكاسب غير مشروعة وهو ما دفع المحكمة الاتحادية إلى التدخل وإيقاف تنفيذه مؤقتًا لحين النظر في الطعون المقدمةقرار المحكمة الاتحادية لم يكن مجرد إجراء قانوني اعتيادي بل كان تعبيرًا عن موقف يعكس الالتزام بحماية استقرار العراق ومنع أي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء فالتجربة أثبتت أن بعض القوى السياسية التي دعمت تمرير القانون لا تزال تحمل أجندات تتقاطع مع المشاريع الإقليمية التي لا تريد الخير للعراق وتسعى إلى خلق ثغرات قانونية تُمكّن بعض العناصر التي تورطت في أعمال إرهابية أو فساد مالي من الإفلات من العقابوفي هذا السياق لا يمكن إنكار أن المحكمة الاتحادية تعرضت لضغوط مكثفة سواء من خلال الحملات الإعلامية التي حاولت التشكيك في نزاهة قراراتها أو من خلال الممارسات السياسية التي حاولت التأثير على مسار القضية لكن استقلالية القضاء العراقي رغم كل التحديات تبقى ركيزة أساسية في حفظ التوازن داخل الدولة وإن موقف المحكمة الأخير يعكس إدراكها لحساسية هذا الملف وضرورة عدم التهاون في أي قرار يمس الأمن القومي وحقوق الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الحفاظ على وحدة العراقإن الشعب العراقي وخاصة المكون الشيعي الذي قدم التضحيات الكبرى في معارك الدفاع عن الأرض والمقدسات يعوّل على القضاء لحماية المكتسبات التي تحققت بفضل دماء الشهداء ولا يمكن السماح بأي خطوة تعيد إنتاج الأخطاء التي دفعت البلاد ثمنها في الماضي فكما كان للعراق تجربة مريرة مع قوانين العفو السابقة التي أُسيء استخدامها فإن الوعي الشعبي اليوم أكبر من أن يسمح بتمرير قانون يحمل في طياته تهديدًا لمسيرة الدولةوبناءً على ذلك فإن المرحلة المقبلة تتطلب موقفًا أكثر صرامة من القوى الوطنية الحريصة على مستقبل العراق لضمان عدم السماح لأي طرف باستخدام القضاء كأداة سياسية لخدمة مشاريع غير وطنية كما أن المحكمة الاتحادية التي أظهرت حتى الآن التزامًا بالدستور ستكون مطالبة بإثبات استقلاليتها التامة من خلال اتخاذ قرار نهائي يحصّن البلاد من أي تداعيات سلبية محتملة لهذا القانونإن العراق اليوم أمام اختبار حقيقي بين الحفاظ على سيادة القانون وبين الخضوع للإملاءات السياسية ولا شك أن المصلحة العامة تقتضي أن تكون العدالة فوق كل اعتبار وأن لا يُسمح لأي طرف بتمرير قوانين لا تخدم إلا المشاريع التي عانى منها العراق طويلًا ودفع أبناؤه الثمن الأكبر في مقاومتها وإفشالها

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر رواجا

Exit mobile version